تحاول فرقة عبيد غبنتن» التي تعود أصولها لعبيد أفارقة تم تحريرهم في القرن التاسع عشر، الحفاظ على ثقافتهم عن طريق الغناء والرقص.
◄30 دقيقة| مدنين – هيثم المحظي
رغم أن فرقة «عبيد غبنتن» التي تشكلت قبل نحو قرن جنوب تونس، تواجه خطر اندثار ثقافتها بسبب عزوف شبابها عن تعلّم تراثها، إلا أنها تبحث عن الخروج إلى الفضاء العالمي، متحدية انصراف الناس نحو أطباع حديثة، حيث لم تعد تستهويهم أغاني الفرقة بطابعها الإفريقي– التونسي الغارق في القدم.
صوت لضربات على «الشنة» (طبل مصنوع من جلد الجمل) يقوم بها «النقار» (الطبال)، معلناً عن بداية عرض يجتمع فيه الرقص والغناء، وتُردد فيه قصائد تختلف فيها الأجناس الشعرية، ويشارك فيه عدد من الأشخاص، ذلك هو مشهد البداية في أغلب عروض الفرقة.
أعضاء الفرقة مُميزون في كل شيء، في أغانيهم التي ليس من السهل أن تفهمها، في رقصاتهم وحتى في لباسهم المستوحى من التراث الإفريقي، تسمى فرقة «عبيد غبنتن» أو «طائفة غبنتن»، كما تُعرف محليا في جهة الجنوب التونسي، بلغ عمرها اليوم قرابة القرن، وتسجل حضورها في أغلب التظاهرات الثقافية والمهرجانات الشعبية داخل البلاد.
وتضم الفرقة بين ستة إلى ثمانية أشخاص من كبار السن معدل أعمارهم في حدود 55 سنة. وتستمد اسمها من قبيلة «غبنتن» التي تقطن في منطقة «القُصبة» التابعة لمدينة سيدي مخلوف، من ولاية مدنين.
و»عبيد غبتن»، بحسب الباحث في الأنتروبولوجيا الأمين البوعزيزي هم من العبيد الأفارقة الذين حرّرهم قانون إلغاء الرق الصادر في عهد أحمد باي، عام 1846. وأضاف البوعزيزي أن قبيلة غبنتن العربية التابعة للتجمع القبلي ورغمة، جنوب تونس، أوَت هؤلاء الأفارقة ومنحتهم أرضا يعيشون عليها.
وبحسب الحبيب التومي، قائد إحدى فرق «غبنتن»، يوجد اليوم أكثر من مجموعة تحمل اسم فرقة غبنتن، وجميعها من العائلة الموسعة للقبيلة التي تضم 3 عائلات كبرى وهم التوايمة، والخضارة، والنواجي.
ورغم من مرور قرابة القرن على تأسيس الفرقة إلا أن أعضاءها مازالوا مُصرين على المحافظة على نفس الطابع من حيث اللباس الذي يرتدونه والذي يمتزج فيه الطابع الإفريقي بالتونسي، ويعتمد على لونيين أساسيين يعبران عن تراث الجهة والعلم التونسي؛ وهما الأحمر والأبيض. ويتمثل الزيّ الرسمي في عباءة بيضاء تغطي كامل الجسم وتحتها جبّة وسروال أبيض، كما يلبسون شاشية حمراء (قلنسوة) فوق رؤوسهم، ويضعون وشاحا أحمر اللون على الكتفين، وفي اليد اليمنى دائما ما تكون العصا حاضرة لتأدية رقصات معينة.
وفي السابق كان أهالي مدنين، دائما ما يَدْعون في أعراسهم هذه الفرقة لتنشيط إحدى السهرات، ولكن اليوم، لم يعد لهذه الفرقة وجود كبير في المناسبات الخاصة؛ نظرا لتطور الفنون الشعبية في هذه الجهات، ولصعوبة فهم الأغاني التي ترددها «طائفة غبنتن».
ويقول خليل الجمور، قائد إحدى فرق غبنتن، «لنا طابع معين في ترديدنا الأغاني التي نقدمها، ومواضيع هذه الأغاني يتطوّر بحسب تطور الواقع التونسي، ولكن عادة ما يكون أغلب الغناء على النجع (البدو الذين يسكنون الخيام ويتنقلون من مكان إلى آخر). وتابع بقوله: «في السابق عندما كان المجلس لا يحضر فيه إلا الأب وكبار السن فقط، كنّا نؤدي أغان غزلية، ولكن مع التطوّر أصبح الأب والابن في نفس المجلس فبتنا لا نغني هذا النوع، نظرا لطبيعة البيئة المحافظة التي نعيش فيها».
ويرى الكاتب محمد الجويلي، أن بعض أغاني غبنتن عبارة عن «نشرة إخبارية تحليلية في شكل غنائي، ويستمد هؤلاء الشعراء المعلومة من تتبعهم للنشرات، فالشاعر يحول الخبر إلى قصيدة ثم إلى أغنية».
ومع التطوّر الحاصل على العديد من المجالات، يحاول أعضاء فرقة غبنتن، المحافظة على تراثهم بتعليم أبنائهم رقصاتهم وقصائدهم، ولكن عدد كبير من الشباب أصبح يعزف عن هذا. وإضافة إلى هذا يقول المشرفون على الفرقة إن الحكومة لم تدعمهم بالقدر الكافي للمحافظة على هذا التراث.
وفي هذا السياف، يقول الحبيب التومي: «على الدولة دعمنا لكي نحافظ على هذا التراث، فنحن أصحاب الفضل الكبير في الحفاظ عليه، فلماذا لا نشارك مثلا في مهرجان دولية خارج البلاد، مثلما تشارك فرق تونسية في مناطق أخرى؟».
لكنّ المندوب الجهوي للثقافة في مدنين فوزي عبد اللطيف، دعا فرقة غبنتن، إلى القيام بإنشاء جمعية أو إيجاد أي هيكل قانوني واضح؛ من أجل الحصول على الدعم اللازم .