جرائم دولة أم موت غامض.. في الذكرى 15 لمقتل قيادات جيش البرّ التونسي
تحلّ يوم 30 أفريل الجاري ذكرى مقتل قيادات من جيش البرّ التونسي سنة 2002 في حادثة سقوط مروحية بقرية ورفلّة بجهة مجاز الباب من ولاية باجة. وأودى الحادث بحياة 13 من أهمّ قيادات الجيش الوطني على رأسهم أمير اللواء عبد العزيز سكيك رئيس أركان جيش البر، بعد خمسة أشهر من توليه المنصب، واثنين برتبة عميد وثلاثة برتبة عقيد وأربعة برتبة رائد واثنين برتبة ملازم ووكيل أوّل. وأفضت نتائج التحقيق الرسمية إلى أنّ الحادث تسبب فيه خلل فنّي بالمروحية في مستوى المراوح الدافعة. لكنّ عددا من أفراد عائلات الضحايا طالبوا في شهر فيفري 2011 بإعادة التحقيق في ظروف سقوط المروحية على فرضية أنّ العملية مدبّرة، غير أن وزارة الدفاع رفضت على الفور الحديث عن جريمة وذكّرت بنتائج التحقيق الصادرة سنة 2002 والتي شارك في أعمالها خبراء تونسيون وأمريكيون. كما حذّرت المؤسسة العسكرية من التصريحات المتعلقة بهذا الموضوع والتي قد ترقى إلى “المس من الجيش الوطني”، وذلك في إشارة إلى تصريحات وردت في شريط وثائقي بثته التلفزة الوطنية اتهمت الرئيس الأسبق ابن علي بتدبير عملية “تصفية” اللواء عبد العزيز سكيك.
◄30دقيقة- لطفي الحيدوري
وحسب الرواية المتواترة عن ظروف الحادثة، والتي لم تصدر رواية رسمية تعارضها إلى حدّ اليوم، فقد أقلعت مروحية من القاعدة الجوية سيدي أحمد في بنزرت على متنها رئيس أركان القوات البرية عبد العزيز سكيك، رفقة 12 عسكريا من رتب مختلفة. وتوجهت المهمّة القيادية نحو ولايات باجة وسليانة والكاف للاطلاع على عمليات تأمين الحدود، وفي طريق العودة، هبطت المروحية في ثكنة مجاز الباب في ولاية باجة، لكن تم تغيير المروحية لمواصلة رحلة العودة إلى بنزرت، لوجود خلل فني بالمروحية الأولى، وفق ما تذكر المصادر المتقاطعة. لكنّ الرحلة توقفت بعد دقائق بسقوط المروحية الثانيةوهو ما أدى إلى وفاة جميع ركّابها. وبالعودة إلى الرواية الرسمية عن الحادثة، نذكر أنّ المرحوم الدالي الجازي وزير الدفاع آنذاك صرّح يوم 1 ماي 2002 بأنّه وقع: “بعث لجنة تحقيق في ما حدث لهذه الطائرة من خلل تسبب في سقوطها. وسيساهم في أعمال هذه اللجنة فنيون من الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار الطائرة من صنع أمريكي”.
ولم يكن ذلك التصريح عاديا فقدتحدث عن بعث لجنة تحقيق ثم استبق النتيجة فقال إنّ هناك خللا تسبب في سقوطها. ثم يعرض التقرير يوم 15 أفريل 2002 ويستفاد منه “أنّ سقوط الطائرة ناجم عن عطب فني على مستوى المروحة الأساسية للطائرة. وأثبتت لجنة البحث أن هذا الحادث الأليم لا يعود إلى خطا بشري ولا إلى خطا في مستوى الصيانة أو لظروف الملاحة الجوية”. وهي نتيجة محت كل عناصر الشكوك. يذكر أنّ أمير اللواء عبد العزيز سكيك هو أحد قيادات الجيش الوطني التي شاركت في حرب أكتوبر سنة 1973 إلى جانب الجيش المصري ضد العدو الإسرائيلي. وقد تدرج في الرتب والمهام حيث تولى رئاسة مدرسة أركان الحرب وقاد الفصيل العسكري التونسي المشارك في مهمة حفظ السلام في كمبوديا سنة 1992. وتولّى سكيك رئاسة أركان جيش البر خلفا لمحمد بن حسين الذي عيّن في ماي 2002 مديرا عاما للأمن الوطني.
جريمة تمنّتها الدولة
هكذا يمكن وصفها مع الغموض الذي يحيط بأطوار ملف القضية، وحتى لا نجزم، في قضية حسمها القضاء سنة 2004، في توجيه التهمة صحفيا. فقضية الوفاة الغامضة للدبلوماسي علي السعيدي في ديسمبر 2001 والعثور عليه مدفونا في حديقة منزل بقفصة، تثير عديد الأسئلة التي لم يجب عنها القضاء. كان الضحية معارضا شرسا في المنفى ثم عرض عليه منصب رفيع مقابل التخلي عن نشاطه، فعاد إلى بلاده والتحق بعمله الجديد ولم تمض أشهر حتى وجد مقبورا. إنّ سيناريو الجريمة كما ختمه ملف القضية التي فصل فيها القضاء ابتدائيا يوم 28 أفريل 2004 ثم استئنافيا في شهر أكتوبر الموالي، وحكم على المتهمتين بالسجن المؤبد، يروي قصة وفاة أدين بمسؤولية ارتكابها وتدبيرها امرأتان بقصد إجرامي (هو تجريده من أملاكه) وورد في أوراق التحقيق الأمني أنّ إحداهما عشيقته. لكنّ السؤال التقليدي في تقصي الجرائم: من المستفيد؟ يدفعنا للشك في كون ما حصل جريمة دولة.
كان الضحية ضمن البعثة الدبلوماسية التونسية بفرنسا أوّل التسعينات من القرن الماضي، ثم انقطع عن عمله وراح ينشط بشراسة إلى جانب المعارضين المنفيين في التنديد بنظام حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وجّه ضربة موجعة للرئيس ابن علي شخصيا بالمساعدة على توفير دلائل الإدانة على تورط منصف بن علي شقيق الرئيس في قضية مخدرات في باريس وكانت فضيحة سياسية بامتياز للنظام التونسي خلال تلك الفترة وتم تهريب المتهم بجواز سفر دبلوماسي وعثر عليه بعد عام مقتولا في منزله بتونس العاصمة. واصل علي السعيدي أنشطته المناوئة لحكم ابن علي حتى حصل تطور مفاجئ، إذ عاد إلى تونس سنة 2001 وتم تعيينه في منصب بارز بوزارة الخارجية، ولم يهنأ بالمنصب كثيرا حتى عثر على جثته في حديقة منزلية بمدينة قفصة. ثم لحق الموت شقيقين له،أحدهما بسجن صفاقس، والثاني بمنزله. واتهم شقيقه المقيم بسويسرا نظام بن علي بارتكاب الجريمة انتقاما من شقيقه.
فهل استدرج علي السعيدي إلى حتفه؟ ولماذا كان ينوي العودة إلى المهجر كما روت المتهمتان في القضية؟ما قصة الوثائق الهامة التي كان يحتفظ بها وكلف المتهمة بنقلها؟ وماذا يعني قول المتهمة لطيفة إن بعض الوثائق تتضمن ما يشبه فضيحة الرئيس بيل كلينتون وسكرتيرته مونيكا؟ ولماذا أبدى أعوان الشرطة استعدادا لتمكين المتهمة لطيفة من الهرب أثناء التحقيق معها، كما روت هي في المحكمة؟ وكيف تخلصت الشقيقتان من الجثة بالدفن، دون التخلص من سيارة وزارة الخارجية الرابضة في المرآب المكشوف للمنزل؟ هل كانت محاولة تهريبها الفاشلة من السجن قبل المحاكمة عملية مدبرة لتصفيتها؟ (تم إيقاف موظفتي سجون وشخص ثالث مقيم خارج تونس وأدينت بالسجن موظفة سجون ولكن تم تبرئة المتهم بعد تراجع المتهمة الرئيسية عن أقوالها).
كان يمكن الجواب على عديد الأسئلة لو استجاب القضاء لطلب المتهمتين لطيفة السعيدي وهادية السعيدي من سجنيهما (منوبة وصفاقس) سنة 2012 إعادة فتح ملف القضية. وحسب دعوى السجينتين المضمنة في مطلبإعادة النظر، فإن الضحية لم يقتل بمنزلهما في مدينة قفصةوأن السيارة التابعة لوزارة الخارجية والتي وجدت بمحل المتهمتين وقتها تم جلبها لإتلاف آثار جريمة القتل التي تمت في مكان آخر، وأرغمتا تحت التعذيب على الاعتراف بالجريمة. (الصباح 3 أفريل 2012). ويشار إلى أنّ المتهمة لطيفة ردّت خلال جلسة المحاكمة على سؤال لنجيب حسني محامي القائم بالحق الشخصي عن دواعي إخفاء الجثة وعدم التخلص من سيارة الوزارة، لطمس معالم الجريمة، بجواب ساخر لمتهمة كانت تواجه حكم الإعدام: “أنا أحبّ الدولة”، وأعادت قولها باتجاه المحامي “أنا أحبّ الدولة”. (مجلة كلمة تونس، عدد 23-24 ماي 2004). وكان جوابا يُفهم منه الرغبة في تخفيف الحكم.
مروان بن زينب: اختراق الموت
ورد في ملف وفاة الشاب مروان بن زينب أنّ عائلته تم إشعارها في أوائل شهر أوت 1989 من قبل مستشفى شارل نيكول بوجود جثة ابنها المفقود منذ 8 أيام، إذ عثر عليها بأحد مفترقات السكك الحديدية بجهة حمام الأنف وعليها آثار ارتجاج ناتج عن اعتداء بالعنف بمؤخرة الرأس، كما تم ضبط سيارته راسية غير بعيد عن سكة الحديد وقد رتّبت أغراضه فيها بعناية فائقة. حفظت القضية لعدم وجود جريمة، ورجّح القضاء فرضية الانتحار، لهذا الشاب البالغ من العمر 27 سنة النابغة في الأنظمة المعلوماتية والذي أورد الشهود من عائلته أنّه أمكن له اختراق حاسوب خاص لزين العابدين بن علي، ليكتشف الارتباطات الاستخبارية الأجنبية لـ”صانع التغيير”. لم تكن الرواية الأمنية والقضائية لتنطلي على والد مروان وهو القاضي السابق، فكيف لشاب يستعدّ للسفر إلى الولايات المتحدة بعد حصوله على منحة دراسية، أن يلقي بنفسه أمام عربة قطار. وحسب تقرير محامي العائلة المتعهد بملف القضية بعد الثورة، فإن قاضي التحقيق ببن عروس أصدر قراره في ختم الأبحاث دون أن يشير إلى وقوع التشريح أو إلى نتيجته، إضافة إلى خلوّ أوراق الملف من تقرير التشريح.
وأورد المحامي، أيضا، أنّ رئيس مركز الشرطة بحمام الأنف ذكر صلب برقية مؤرخة سنة 1989 أن مروانبن زينب انتحر، وذلك قبل أن يتحصل على نتيجة التشريح وقبل أن تنتهي الأبحاث. ورغم أنّ أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس أصدربطاقة جلب دولية ضد الرئيس زين العابدين بن علي من أجل قتل نفس بشرية عمدا سنة 2011، وتم إخراج رفات الضحية لعرضها على التشريح الطبي، فإنّ أعمال القضاء لم تتوصل إلى الرواية الكاملة لملابسات وفاة مروان بن زينب وتوجيه التهمة إلى جميع الضالعين في الجريمة إن ثبت تقاررهم عليها. وبقيت الشهادة الأقوى في هذا الملف هي ما صرّح به بشير التركي رئيس المخابرات التونسية الأسبق في عدد من المناسبات أنّ بن علي أعطى تعليماته بقتل هذا الشاب بعد أن تفطن إلى علاقته بالموساد.
المقال والرصاص
استقبل زين العابدين بن علي في قصر قرطاج يوم 28 ماي 2000 الصحفي رياض بن فضل الذي تلقى، بعد يومين من نشره مقالا بصحيفة “لوموند ديبلوماتيك” بعنوان “En finir avec le syndrome de Carthage”، رصاصةغادرة، في صدره، على مرمى حجر من القصر الرئاسة. المقال المنشور يوم 21 ماي 2000 تضمن معاينة شاملة لحالة الاقتصاد والحريات والنظام السياسي والحزبي تحت حكم ابن علي، ليخلص في خاتمته إلى دعوة الرئيس إلى أن يغادر الحكم بعد انتهاء ولايته سنة 2004، ليقطع مع “متلازمة قرطاج”، على حد تعبيره. خرج رياض بن فضل “العائد من الموت” من مكتب الرئاسة ونقلت عنه وكالة تونس إفريقيا للأنباء قوله: “أشكر سيادة رئيس الدولة على استقباله لنا وعلى متابعته لأحوالي الصحية بعد الحادثة التي تعرضت لها. وتأكدتُ أنّ كل الوسائل والإمكانيات مجنّدة من أجل استظهار الحقيقة في تونس دولة القانون”.
وضع بن فضل البندقية بعد أن ترك صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ثم حمل القلم بعد زمن فقاومه الرصاص. لم يكن صوت الرصاص غريبا عنه وفهم الرسالة. ثم أغلق بعد ذلك مكتب “لوموند دبلوماتيك” بتونس الذي يديره ليتفرغ لإدارة شركة إعلانات تمكنت في مدة وجيزة من أن تكون بين متصدّري موزّعي الإعلانات، وقُدّر لها أن تدير بعد الثورة الحملة الانتخابية لحمة الهمامي، مرشح الجبهة الشعبية للانتخابات الرئاسية سنة 2014.
الحقيقة موجودة
لم تظهر الحقيقة بعد مرور 17 عاما عن حادثة إطلاق النار على رياض بن فضل، وقد تكون بالنسبة إليه من قبيل قصص العائدين من الموت، ولم نعرف عن هذا الناشط السياسي اليساري حرصا قضائيا وقانونيا على إثارة الملف من جديد. ولكن بعد سنوات من حوادث خطيرة مرت بها تونس، يذهب بنا الاعتقاد إلى أنّ البلاد قد تكون مرّت بموجة كادت ترسّخ منعرجا جديدا في سلوك النظام التونسي، ففي ماي 2000 محاولة اغتيال بن فضل وفي ديسمبر 2001 مقتل الدبلوماسي علي السعيدي وفي أفريل 2002 مصرع أبرز قادة جيش البرّ.
جرى الموت بين طوري “الاختراق والانكشاف” بالنسبة إلى مروان بن زينب، وكتب رياض بن فضل “مقال الموت” وعاد علي السعيدي من باريس ليستلم “مأمورية القبر”. وكانت رحلة “اللاعودة” لأمير اللواء عبد العزيز سكيك ورفاقه، وفي الحالة الأخيرة لم يجد زين العابدين بن علي لزملاء سلاح لهم قبل 11 عاما من ذلك التاريخ مروحية تسعهم، فأعدّ لهم بيتا في قرية “براكة الساحل” عبروا به إلى الموت البطيء.

C est intéressante
https://tunisitri.wordpress.com/2011/06/23/mohamed-boughalleb-lenquete-sur-la-mort-de-marouane-ben-zineb/
Le témoignage du colonel Turki, officier de communications et non des services secrets-démissionnaire en 1985, est un copié-collé de celui que j’ai publié 18 ans plus tôt-Juillet 1993, sur Horizon 94 à Paris. La photo de Marouane ben Zineb, reprise partout par la suite est celle là mème que son oncle maternel m’avait remise à Paris en 1990, je crois.
J’ajoute que son livre a été publié sur internet en 2009 sous un pseudonyme.
Ahmed Manai
أجرام بن علي المخلوع فاق كل الحدود التي يمكن ان يتصورها البشر حتى في اقصى حدود الخيال …. و اليوم يريدون تطهيره و تبرئته من جرائم يصعب حتى على الجبال تحملها …. حسبنا الله و نعم الوكيل فيك يا بن علي المجرم.