الغربة في زمن الكورونا

30دقيقة- فتحي غداس

الغربة في زمن الكورونا هي غياب عن حياة تمر بجوارك دون أن تحياها و مماة يمر بجنبك دون أن تموته هي غياب عن أحبة يعيشون فيك و وطن لا تسكنه بل يسكن فيك ، الغربة في زمن الكورونا هي سجن بيتي و تهديد بموت حيني . في ضل هذا السجن أسترجعت ذاكرتي يوم غربتي حين فعلت كما فعل أترابي و رحلت عن بلدي إلى باريس المدينة العريقة المغرية بلياليها المضيئة باريس مدينة الثقافات المختلفة و الجنسيات التعددة و كل الديانات و المعتقدات و حقوق الإنسان باريس لوحة فنية و كل يستوحى ما في الوحة من صور و إلداع .

أتيت إلى باريس بحقيبة من الأحلام قليل منها لي و البقية للأهل و الأحباب ساحرة هي تتقلب من طيبة الى شريرة من أم لحبيبة لعشيقة كل شيء فيها يوحي أنها ساحرة ، و أنا المسكين صدقتك في كل العروض ، حتى رنا جرس الكورونا ليوقضني من سحرك و أكتشف مدى حجم الخسائر و التغيرات من جراء سحرك فلقد رميت حقيبتي و أحلامي و غيرت كل ملامحي و أصبح المال قبلتي و البنك بيتي و رقم حسابي تاريخ ميلادي.

كما أكتشفت طقسك البارد الذي جمد قلبي فلم أعد أحب و لا أشتاق في صحوتي أكتشفت صورة قريتي معلقة على جدار بيتي منذ عشر سنين مضت بعدما حجب عني سحركي كل الرؤى و أضعتي و جهتي ، سماكي اليوم تمطر بدمعي و دموع المغتربين مثلي ، الكورونا تقاضيني تقاضينا تعاقبني بالسجن بلا حاكم و لا محكمة و لا محام يترافع عني إلا الله نسأله الطف و العفو و يزول عنا هذه الغمة و تشرق الشمس من جديد و أعود من حيث أتيت إلى بلدي إلى إمي أبي و كل أحبابي إلى قريتي جرجيس الجميلة بشواطئها الممتدة من القنطرة إلى حسي جربي شط سنيا و الرصيفات إلى زياتينها بلا نهاية إلى التاجر الذي كنت أقتني من قطعة من الحلوى و أنا راجع من المدرسة إلى بائع السجائر الذي يقرضني ( زوز سواقر ) إلى معلمي و أستاذي الذي أطأطيء رأسي حين ألقاه .

أشتقت إلى تونس العاصمة و ضوضائها أنا الذي كنت أنتقد كثيرا تلك الفوضى المنتشرة فيها أشتقت الى ساحة برشلونة التي ترى فيها عجب العجائب أين المارة يعبرون سكة المترو بدون إكتراث مع الحافلات الصفراء المكتضة و سيارات التاكسي المنتشرة على الأرصفة أشتقت إلى تلك الأمطار التي تغرق البلاد و ما ينحر عنها من إكتضاض في حركة المرور أشتقت لتلك الحركة عندما أكون على الرصيف و تمر سيارة التاكسي بيرعة محاولا إقائي من أن تتلطخ ثيابي بالوحل بدون جدوى فألعن السائق إشتقت إلى تلك الرواح المنبعثة في الأسواق فهي لي أحلى و أطيب من رواح شنال و سان لورون كل هذا في زمن الكورونا فهل نعتبر كل ما أتمناه هو أن يرحم بنا الله و يعفو عنا من يدي في أي أرض نموت لقد غلقت الأبواب بل الحدود ونحن في المهجر.

Réagir sur l'article

Veuillez saisir votre commentaire
Veuillez saisir votre nom